في ظل المتغيرات السياسية المتسارعة في سوريا بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو، تواجه روسيا معادلة صعبة بين الحفاظ على نفوذها العسكري والاستراتيجي في البلاد، والاستجابة لمطالب الإدارة السورية الجديدة التي تطالب بتسليمه ومساعديه.
وكشفت تقارير صحفية أن الإدارة الجديدة في سوريا طلبت من روسيا تسليم بشار الأسد مقابل عودة العلاقات الطبيعية فهل تضحّي موسكو بحليفها السابق مقابل ضمان بقائها العسكري في المنطقة؟
موسكو تعيد صياغة علاقتها بدمشق
وأعلن الكرملين، اليوم الأربعاء، أنه يعمل على بناء حوار مستمر مع الإدارة السورية الجديدة، في خطوة تعكس مساعي موسكو للتكيف مع الواقع السياسي الجديد في دمشق، بعدما كانت الداعم الرئيسي لنظام الأسد طوال سنوات الحرب.
اغتيال بوتين.. كيف ردت روسيا على شائعة محاولة أمريكا قتل قيصر الكرملين؟
وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الاتصالات مع الحكومة الجديدة في سوريا ستستمر، مشدداً على أهمية التواصل المباشر لضمان المصالح الروسية في المنطقة.
وقال في تعليق على زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق: “هذه زيارة مهمة، ومن الضروري بناء حوار مستمر مع السلطات السورية الجديدة، وسنواصل العمل في هذا الاتجاه”.
وتأتي هذه التحركات في وقت تحاول فيه موسكو حماية قاعدتيها العسكريتين في سوريا، وهما القاعدة البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وسط مؤشرات على أن الإدارة الجديدة في دمشق تضع شروطاً جديدة لاستمرار التعاون الروسي.
هل تسلّم موسكو الأسد؟
في تطور غير مسبوق، كشفت مصادر مطلعة على المحادثات أن رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، طلب من روسيا تسليم الأسد ومساعديه المقربين خلال اجتماعه مع بوغدانوف في دمشق.
ورغم أن موسكو لم تصدر تعليقاً رسمياً حول هذا الطلب، فإن امتناع بيسكوف عن التعليق عليه يعزز من التكهنات حول إمكانية تخلي روسيا عن حليفها السابق كجزء من صفقة أوسع للحفاظ على وجودها في سوريا.
ويرى محللون أن موسكو قد تجد نفسها مضطرة للتخلي عن الأسد إذا كان ذلك سيضمن لها علاقات مستقرة مع الحكومة الجديدة، خاصة أن استمرار دعمها له قد يعرّض نفوذها للخطر، في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية التي تواجهها بعد الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية المتزايدة.
تعويض سوريا
إلى جانب مطلب تسليم الأسد، تضغط الإدارة السورية الجديدة على موسكو للحصول على تعويضات تتعلق بدورها في الحرب، وهو ما ظهر في بيان رسمي صدر عن دمشق عقب المحادثات مع بوغدانوف.
ووفقاً لوكالة “بلومبرج”، فقد شددت الحكومة الجديدة على أن “استعادة العلاقات بين روسيا وسوريا يجب أن تعالج أخطاء الماضي وتحترم إرادة الشعب السوري.
وبينما لم توضح دمشق طبيعة هذه التعويضات، فمن المرجح أنها تشمل مساعدات اقتصادية وإعادة إعمار البنية التحتية التي تضررت خلال النزاع، وهو ما قد يشكل تحدياً جديداً لموسكو التي تعاني من ضغوط مالية بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية.
مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا
رغم هذه التعقيدات، أكدت موسكو أن وجودها العسكري في سوريا لم يشهد أي تغييرات حتى الآن، ونقلت وكالات أنباء روسية عن بوغدانوف قوله إن “مناقشة مستقبل القاعدتين العسكريتين في سوريا تحتاج إلى مفاوضات إضافية”، في إشارة إلى أن موسكو تدرك حساسية الموقف وتسعى لإيجاد حلول توافقية مع الإدارة الجديدة.
وتأمل روسيا في الحفاظ على وجودها العسكري الاستراتيجي، خاصة أن قاعدتي طرطوس وحميميم تشكلان محور نفوذها في الشرق الأوسط، كما تتيحان لها حضوراً عسكرياً دائماً على البحر المتوسط.
روسيا بين حسابات المصالح والتخلي عن الحلفاء
وبحسب تقارير، يبقى السؤال المطروح: هل تذهب موسكو إلى حد تقديم الأسد قرباناً لضمان استمرار وجودها في سوريا؟ أم أنها ستتمسك به حتى النهاية، رغم إدراكها أن المرحلة الجديدة في دمشق قد لا تتسع لحلفاء الماضي؟
ويري مراقبون أنه في ظل الضغوط الدولية والتغيرات الداخلية في سوريا، يبدو أن روسيا أمام معادلة صعبة، حيث يتعين عليها الموازنة بين الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والتكيف مع المشهد السياسي الجديد، وهو ما يجعل الفترة القادمة حاسمة في تحديد مصير الأسد وعلاقته مع الكرملين.
اقرأ أيضا
أول تقارب رسمي بعد الأسد.. وفد دبلوماسي روسي رفيع المستوي يصل دمشق
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
0 تعليق