القاهرة (خاص عن مصر)- رغم رغبة الرئيس في الانسحاب من الشرق الأوسط، فإن التعامل مع سوريا قد يكون أول اختبار استراتيجي كبير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
أدى الهجوم الأخير بالشاحنة في نيو أورليانز، والذي أسفر عن مقتل 15 شخصًا وإصابة أكثر من 50 آخرين، إلى إعادة إشعال المخاوف من التطرف الإرهابي العابر للحدود الوطنية.
وفقا لتحليل ستيفن سيمون وجوناثان ستيفنسون، في مجلة فورين بوليسي، يؤكد مرتكب الهجوم، وهو مواطن أمريكي مستوحى من تنظيم داعش، على التهديد المستمر للإرهاب المنفرد الذي تغذيه الصراعات العالمية، بما في ذلك الحرب بين إسرائيل وحماس.
يأتي هذا الحادث في منعطف حرج للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث تكافح إدارة الرئيس دونالد ترامب مع الوضع الدقيق في سوريا – وهي دولة لا تزال تعاني من الإطاحة ببشار الأسد والآن تحت سيطرة جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية.
على الرغم من رغبة ترامب في الانسحاب من الشرق الأوسط، فإن سوريا تمثل تحديًا استراتيجيًا لا تستطيع إدارته تجاهله.
هجوم نيو أورليانز: إشارة تحذير
يسلط هجوم الأول من يناير في نيو أورليانز، الذي نفذه شمس الدين جبار، الضوء على التأثير الدائم للأيديولوجيات الإرهابية. ويقال إن تصرفات جبار كانت مدفوعة بسلوك إسرائيل في غزة، وهي المظالم التي استغلتها منذ فترة طويلة جماعات مثل القاعدة وداعش.
يشير هذا الهجوم إلى عودة محتملة للإرهاب، وإن كان ذلك باستخدام أساليب منخفضة التقنية مثل صدم المركبات لتحل محل التكتيكات البارزة في الماضي.
التوقيت محفوف بالمخاطر بشكل خاص بالنسبة للولايات المتحدة، حيث أدت خطة ترامب الانتقالية الجذرية إلى تطهير الموظفين ذوي الخبرة من وكالات السياسة الخارجية الرئيسية، مما قد يعيق قدرة الحكومة على الاستجابة بفعالية للتهديدات الناشئة.
اقرأ أيضًا: مصر في سباق الذهب الأخضر.. الطريق إلى الريادة في مجال الطاقة المتجددة
الدولة السورية الهشة: حكومة جديدة وتحديات قديمة
لقد تحول المشهد السياسي في سوريا بشكل كبير مع الإطاحة بالأسد من قبل هيئة تحرير الشام، وهي المجموعة التي سعت إلى إبعاد نفسها عن جذورها في تنظيم القاعدة. تحت قيادة أحمد الشرع، تعهدت هيئة تحرير الشام بحل الجماعات المسلحة، وتشكيل جيش وطني، وإقامة حكومة توافقية.
مع ذلك، تظل قدرة المجموعة على الحكم بشكل فعال غير مؤكدة، وخاصة في مواجهة التحديات الأمنية المستمرة، بما في ذلك تفجيرات السيارات الأخيرة المرتبطة بتنظيم داعش في شمال سوريا.
تأمل هيئة تحرير الشام في اكتساب الشرعية الدولية، مع تخفيف العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي وفرنسا بحذر. ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة مترددة في إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، مما يعكس المخاوف المستمرة بشأن نوايا المجموعة وقدراتها.
عامل داعش: تهديد مستمر
لا يزال تنظيم داعش، على الرغم من إضعافه، يشكل تهديدًا كبيرًا في سوريا. إذا فشلت هيئة تحرير الشام في قمع داعش، فقد تستغل المجموعة الغضب الناجم عن غزة لتكثيف العمليات العابرة للحدود الوطنية، وإعادة إشعال المواجهة الإرهابية العالمية التي بدأت في 11 سبتمبر. من شأن هذا السيناريو أن يجبر إدارة ترامب على مواجهة سوريا كأولوية، على الرغم من تركيزها الحالي على الصين وأوكرانيا.
خلال فترة ولاية ترامب الأولى، نجح كبار المسؤولين في التصدي لمحاولاته سحب القوات الأميركية من سوريا، معترفين بدورها الحاسم في احتواء داعش. لكن هذه المرة، يواجه ترامب عددا أقل من الحواجز، حيث تعكس التعيينات الرئيسية مزيجا من النهج التقليدية وغير التقليدية للسياسة الخارجية.
فريق ترامب: صراع الرؤى
يضم فريق الأمن القومي لترامب شخصيات مثل مايك والتز، وهو من قدامى المحاربين في القوات الخاصة، وسيباستيان جوركا، وهو من دعاة مكافحة الإرهاب المتشددين، ومن المرجح أن يدفعوا باتجاه استجابة قوية للتهديدات الإرهابية. وفي الوقت نفسه، يعطي مسؤولون مثل إلبريدج كولبي، المرشح لمنصب كبير في البنتاغون، الأولوية للصين على الشرق الأوسط، مما يعكس أجندة ترامب “أميركا أولا”.
وقد يؤدي هذا التوتر الداخلي إلى استراتيجيات متضاربة، وخاصة إذا وقع هجوم إرهابي كبير آخر على الأراضي الأميركية. وقد تدعو شخصيات مؤيدة لإسرائيل داخل الإدارة أيضا إلى سياسة أكثر حزما في سوريا، وخاصة في ضوء المخاوف بشأن العداء المحتمل لهيئة تحرير الشام تجاه إسرائيل.
الواقع أن الولايات المتحدة تواجه معضلة في سوريا: فالحفاظ على الوجود العسكري لمواجهة تنظيم داعش يهدد بتورط البلاد في صراع طويل الأمد آخر، في حين قد يسمح الانسحاب للجماعات الإرهابية بإعادة تجميع صفوفها وتهديد الأمن العالمي.
في نهاية المطاف، أفسح تردد إدارة أوباما الأولي في التدخل في سوريا المجال لاستراتيجية عسكرية متقدمة مع اكتساب تنظيم الدولة الإسلامية المزيد من الأرض. وقد يواجه فريق ترامب حسابا مماثلا.
إذا ثبت أن هيئة تحرير الشام غير قادرة أو غير راغبة في قمع تنظيم الدولة الإسلامية، فقد تجد القوات الأميركية نفسها تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية والحكومة السورية، مما يؤدي إلى صراع دائم لا نهاية واضحة له في الأفق.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
0 تعليق