القاهرة (خاص عن مصر)- مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الرابع، يواجه الجيش الأوكراني أزمة هروب متنامية تهدد بتقويض جهود الدفاع في البلاد. فالجنود، الذين كانت دوافعهم في السابق هي الرغبة في الدفاع عن وطنهم، يتخلون بشكل متزايد عن مواقعهم، مشيرين إلى الإرهاق، وضعف الروح المعنوية، وعدم كفاية الدعم من القادة.
وصلت القضية إلى نقطة حيث يعترف المنشقون علناً بخيبة أملهم، ويحذر الخبراء من أن المشكلة قد تتفاقم ما لم يتم تنفيذ إصلاحات عاجلة.
خيبة الأمل والهروب: اتجاه متزايد
وفقا لتقرير الجارديان، يجسد فيكتور، القناص المدرب السابق الذي تطوع للقتال في الدفاع عن أوكرانيا، خيبة الأمل التي يشعر بها العديد من الجنود. في البداية، كان فيكتور حريصًا على الدفاع عن كييف ضد القوات الروسية، ولكن بعد تحمل أشهر من القتال العنيف، والأوامر غير الواقعية من كبار القادة، والإصابة الشخصية، انهار عزمه.
يتذكر لحظة عندما، بعد تعرضه لإصابة، قيل له أن يعود إلى الجبهة على الرغم من الألم. “لقد أدركت أنني لست شيئاً. مجرد رقم”، هكذا قال. وفي نهاية المطاف، ترك فيكتور منصبه لتلقي العلاج الطبي، لكن الخسائر العاطفية التي خلفتها الحرب دفعته إلى التخلي عن الجيش تماماً.
قصته ليست فريدة من نوعها. فوفقاً للتقارير، ترك آلاف الجنود الأوكرانيين وحداتهم في الأشهر الأخيرة. وفي حين لا يتم الكشف عن الأرقام الدقيقة لأسباب أمنية، فإن المسؤولين العسكريين يعترفون بأن الفرار من الخدمة أصبح قضية خطيرة.
أدى الإرهاق الناجم عن جولات الخدمة الطويلة، والافتقار إلى الراحة المناسبة، ونقص القوى العاملة الشديد إلى تفاقم الأزمة. وفي بعض الحالات، تم استدعاء الجنود إلى الخطوط الأمامية بعد أيام فقط من عودتهم إلى ديارهم لقضاء فترات راحة قصيرة، مما خلق وضعاً لا يمكن تحمله يدفع العديد منهم إلى التخلي عن مناصبهم.
اقرأ أيضًا: تهديدات ترامب تهدد الوحدة الهشة في أوروبا
التحديات البنيوية وقضايا القيادة
تتفاقم المشكلة بسبب التحديات البنيوية داخل القوات المسلحة الأوكرانية. فقد تم تجميع الألوية الجديدة على عجل، لكنها ناضلت من أجل الأداء الفعال في ساحة المعركة. لقد اعترف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤخرا بهذه القضية، وأمر بتغيير السياسة لدمج المجندين عديمي الخبرة في الكتائب القائمة. وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف بشأن فعالية هذه الوحدات، وخاصة في ضوء التقدم الروسي المستمر في الشرق.
إن فرار جنود مثل فيكتور وأولكسي، وهو جندي سابق آخر قاتل في المناطق الجنوبية من ميكولايف وخيرسون، يشير إلى انهيار أوسع في الروح المعنوية. ووصف أوليكسي المعارك الفوضوية بدعم مدفعي غير كافٍ، مما أدى إلى انهيار الثقة بين الجنود وقادتهم.
بعد جدال حاد مع قائد جديد، قرر أوليكسي الاختباء، غير قادر على التعامل مع الضغوط والعنف المستمرين. تتردد كلماته مع العديد من الآخرين الذين يشعرون بالمثل: “كلما طالت الحرب، زاد عدد الأشخاص مثلي”.
دور الصحة العقلية وضغوط الحرب
برزت الصحة العقلية كعامل حاسم يساهم في الفرار. أولها ريشتيلوفا، أول أمينة مظالم عسكرية في أوكرانيا، سلطت الضوء على الخسائر النفسية التي خلفتها الحرب على الجنود. وأوضحت أن العديد من أفراد الخدمة يعانون من ضعف الصحة العقلية بعد التعرض لفترات طويلة لأهوال الحرب.
إن التهديد المستمر بالموت، إلى جانب الانفصال عن الأحباء، يخلق حالة حيث يمكن حتى للصراعات الصغيرة مع كبار الضباط أن تؤدي إلى الفرار من الخدمة. وقالت ريشتيلوفا، معترفة بالضغط الهائل الواقع على الجنود الأوكرانيين: “الناس منهكون. إنهم يريدون رؤية أسرهم. أطفالهم يكبرون بدونهم”.
لقد دعت ريشتيلوفا، التي تم تعيينها في منصبها بناءً على طلب الرئيس زيلينسكي، إلى اتباع نهج أكثر تركيزًا على الإنسان في الخدمة العسكرية. وأوضحت أن الجيش الأوكراني يخضع لعملية تحول، ويبتعد عن النموذج الجامد ما بعد السوفييتي حيث يُنظر إلى الجنود على أنهم مرؤوسون لقادتهم. بدلاً من ذلك، فإن الهدف هو إنشاء جيش حديث أكثر تعاطفًا يدرك التحديات العقلية والعاطفية التي يواجهها الجنود.
الجهود المبذولة لمعالجة الأزمة
ردًا على أزمة الفرار المتزايدة، كان البرلمان الأوكراني يعمل على عدة تدابير لإصلاح التجنيد والاحتفاظ بالجيش. ألغى قانون صدر مؤخرًا العقوبات الجنائية للجنود الذين يعودون طواعية إلى وحداتهم، ومنحهم مزايا كاملة عند إعادة الانضمام.
بالإضافة إلى ذلك، تم تمرير مشروع قانون يسمح للجنود بالانتقال بين الوحدات، على الرغم من أن بعض القادة منعوا هذه التحويلات بسبب نقص الأفراد. لمعالجة هذه المشكلة، تعمل الحكومة الأوكرانية على إيجاد حل لتسهيل عمليات النقل من خلال تطبيق Army+ التابع لوزارة الدفاع، والذي من شأنه تبسيط العملية.
وقد أشار أندري هريبينيوك، الرقيب أول في كتيبة مشاة في دونيتسك، إلى حالات الفرار المتكررة بين قواته. وقال: “إن الأمر يتعلق بالروح المعنوية أكثر من الإصابة”، معترفاً بأن بعض الجنود يعودون إلى ديارهم لإعادة ضبط نفسيتهم.
رغم أن هريبينيوك لم يتسامح مع حالات الفرار، إلا أنه فهم أسبابها الجذرية. فقد واجهت لواءه، اللواء الآلي 110، نقصاً حاداً في المشاة، على الرغم من امتلاكه طائرات بدون طيار ومدفعية كافية. وأكد هريبينيوك على أهمية مهارات البقاء الأساسية والحاجة إلى أن يشعر الجنود بالثقة في قدرتهم على البقاء على قيد الحياة، حتى في ظل التهديد المستمر بالهجمات الروسية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
أخبار متعلقة :