نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«أروقة دولة بني العباس».. محمد شعبان ينقب في خبايا التاريخ بحكايات الناس والشوارع - أطلس سبورت, اليوم الثلاثاء 21 يناير 2025 08:18 مساءً
الكاتب الصحفي محمد شعبان، صاحب القلم الرصين والباحث الدؤوب، يواصل رحلته المتعمقة في استكشاف خبايا التاريخ عبر أحدث إبداعاته «أروقة دولة بني العباس.. حكايات الناس والشوارع».
بأسلوبه المميز، الذي يجمع بين الدقة الأكاديمية والسرد المشوّق، ينجح «شعبان» في إماطة اللثام عن زوايا خفية لم يطرقها أحد في العصر الحالي، كاشفا النقاب عن تفاصيل الحياة اليومية في شوارع وأسواق الدولة العباسية، وكأنما يعيد رسم المشهد بكل نبضه وحيويته.
كعادته دائما، ينقب ويفتش وينهل من بطون الكتب، ليستخرج درر المعرفة وكنوز الحكمة، يغوص في أعماق الحروف، يجوب أروقة الفكر، يطارد خيوط المعاني المتناثرة، يجمعها كما يجمع النحل رحيق الأزهار، فلا يترك سطرًا إلا وتأمله، ولا معنى إلا واستوعبه، ولا حكمة إلا وأمعن فيها النظر.
يطوي الليالي بين دفتي كتاب، يستنطق الصفحات الصامتة، يعيد تشكيل الكلمات في ذهنه، حتى تصير صورة متكاملة، ثم ينثرها في حديثه مدادا من نور، فتفيض كلماته علما، وتتوهج أفكاره معرفة، كأنما استعارت بريقها من مشكاة العقول النابغة عبر العصور.
يمتلك «شعبان» مهارة استثنائية في التنقيب بين صفحات التاريخ، مستخرجا من المصادر القديمة والمخطوطات المهترئة ما يُعيد تشكيل الماضي برؤية جديدة، تجمع بين التحليل العميق والطرح السلس، الذي يصل إلى القارئ بسهولة وعمق في آنٍ، إذ يأتي كتابه الجديد كجزء من مشروع متماسك طموح في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي برؤية معاصرة، حيث يغرق في تفاصيل لم تحظَ بالاهتمام الكافي من قبل، ويقدّمها بأسلوب يجمع بين الأصالة والجدة.
ويشارك محمد شعبان بهذا العمل الفريد في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، ليضيف إلى المشهد الثقافي إسهاما جديدا يثري الوعي بالتاريخ، ويمنح القارئ فرصة فريدة لاكتشاف الجوانب الإنسانية للحضارة العباسية، بعيدا عن السرد التقليدي للأحداث السياسية والعسكرية.
يقدم الكتاب استعراضا شيقا ومتعمقا للحياة في الدولة العباسية، من زوايا لم تحظَ بالاهتمام الكافي في 18 فصلا، إذ يأخذ القارئ في رحلة عبر أروقة المدن ليكشف عن التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها تلك الحقبة.
يبذل الكاتب في هذا الكتاب جهدا مميزا لاستعراض تفاصيل دقيقة وشاملة عن العصر العباسي، مسلطا الضوء على محطات مهمة في تاريخ الدولة، من بداياتها وحتى سقوطها، دون إغفال أي جانب من الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فمنذ سقوط الدولة الأموية عام 750م، بدأ العباسيون في إرساء أسس حكمهم، ما أدى إلى تغيرات واسعة شملت مختلف المجالات.
ويبرز الكاتب كيف تأثرت الحياة اليومية بهذا التحول، موضحا كيف امتزجت الثقافات المتنوعة بالثقافة الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى ظهور اتجاهات فكرية وسياسية جديدة، أحدثت حالة من الجدل داخل المجتمع العباسي، وتسببت في تداعيات مستمرة عبر العقود التالية.
باحترافية محكمة يُفرد مساحة لمناقشة اهتمام الخلفاء بالعلوم والمعرفة، مسلطا الضوء على البعثات العلمية التي أوفدوها إلى خارج حدود الدولة لجلب الكتب النادرة واستكشاف الممالك المجهولة، في إطار سعيهم لتطوير الدولة وتعزيز مكانتها العلمية والثقافية.
لا يغفل «شعبان» الأوضاع الاجتماعية، إذ يتناول تفاصيل الحياة اليومية للعباسيين، حيث ازدهرت مظاهر الترف واللهو، فانتشرت الحانات ومجالس الغناء التي جذبت فئات واسعة من المجتمع، من المغنين والراقصين وحتى عامة الناس الذين وجدوا فيها ملاذا يهربون إليه من ضغوط الحياة.
وفي المقابل، يستعرض معاناة الطبقات الفقيرة التي واجهت ظروفا معيشية قاسية، ما أدى إلى اضطرابات أمنية واجتماعية كبرى، انعكست في شكل حركات تمرد، ومحاولات استقلال عن الدولة في مناطق متعددة.
ومن هنا، يوضح الكتاب كيف تعاملت الخلافة مع هذه التحديات، حيث واجهتها بالقوة في بعض الأحيان، بينما لجأت في أوقات أخرى إلى أسلوب العفو السياسي لتوطيد الحكم واستيعاب المعارضين.
ببراعة، يرصد تفاصيل أحوال مدينة دمشق تحت الحكم العباسي، موضحا كيف تفاعل سكانها مع التغيرات التي طرأت عليها بعد أن فقدت مكانتها كعاصمة للدولة الإسلامية، وهو الأمر الذي دفع بعضهم إلى الانخراط في حركة مقاومة سلبية تُعرف باسم «النابتة»، التي ظهرت كرد فعل على سياسات العباسيين.
ويُبرز أيضا كيف استطاع العديد من الشعراء أن يحولوا قصائدهم إلى أدوات لمعارضة السلطة، حيث نظموا أبياتا عبرت عن مشاعر الغضب والرفض، بل ونجحوا في أحيان كثيرة في تأجيج الثورات التي أربكت جيوش الدولة واحتلت بعض المدن.
وفي إطار تحليل أعمق، يتطرق الكتاب إلى كيفية تعامل الخلفاء العباسيين مع هذه التهديدات، متبعين سياسة الجمع بين الحزم والعفو، حيث أطلقوا سراح الكثير من المعارضين بهدف كسب ولائهم وتجنب المزيد من الاضطرابات.
وفي الجانب الثقافي، يُسلط الباحث الضوء على «القُصّاص» الذين انتشروا في شوارع المدن، حيث كانوا يروون القصص والأساطير للناس، لكن دورهم لم يقتصر على الترفيه فقط، بل امتد ليشمل التأثير في الأحداث السياسية والاجتماعية، خاصة في أوقات الأزمات والفتن.
ويعرض الكتاب تأثير الثقافات الوافدة التي انعكست في انتشار الحانات ومجالس الطرب، والتي تحولت إلى أماكن يقصدها الناس للراحة من أعباء الحياة اليومية.
ويبحث «شعبان» في مظاهر الرفاهية المتزايدة التي شهدها العصر العباسي، لافتا إلى تنوع مظاهر اللهو والترف بين الخلفاء، وفقا للظروف السياسية والاقتصادية السائدة.
ويرصد كذلك نشأة ما يُعرف بـ«المُجّان»، وهم جماعات من الشعراء والشباب الذين اتخذوا من اللهو والمجون نهجا لحياتهم، وهو ما دفع بعض الفئات إلى مواجهتهم تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وبلغت المواجهات حد العصيان على السلطان.
وفي إطار تحليله للأوضاع القانونية والاجتماعية، يتناول المؤلف ببراعة، دور «مجالس المظالم»، تلك التي كانت تعقد للنظر في الشكاوى التي لا يمكن للقضاء العادي التعامل معها، حيث كان الخلفاء يتدخلون شخصيا لإصدار الأحكام، ما منحها سلطة استثنائية لم تنلها أي هيئة أخرى.
الكتاب يُقدم رؤية واضحة حول سياسة الإقطاع التي انتهجها العباسيون، إذ عمدوا إلى منح الأراضي للقادة والجنود لضمان ولائهم وحماية حدود الدولة من الأخطار الخارجية، كما سعت هذه السياسة إلى تشجيع الناس على الاستقرار في الأراضي الجديدة.
وبجهد بحثي دقيق، يتناول الكاتب أحوال الأسرى المسلمين في بلاد الروم، متناولا عملية التفاوض لفك أسرهم وفقا للظروف السياسية، وكيف أثرت هذه القضية على العلاقات بين الدولتين الإسلامية والبيزنطية.
ويُسلط الضوء على الصراع المذهبي بين العباسيين والفاطميين، الذي اتخذ طابعا فكريا من خلال تأسيس «المدارس النظامية» لنشر المذهب السني ومواجهة الفكر الشيعي.
يستعرض أيضا حركة البعثات العلمية التي أرسلها الخلفاء بهدف تعزيز المعرفة واستكشاف عوالم جديدة، مسلطا الضوء على أهدافها المتنوعة التي لم تقتصر على المعرفة فحسب، بل امتدت لتشمل المصالح السياسية والاقتصادية.
يُبرز الكاتب دور «درب زبيدة»، الطريق الشهير الذي اهتم به العباسيون لنقل الحجاج إلى مكة والمدينة، مع التطرق إلى الطقوس الخاصة التي اعتاد أهل بغداد على ممارستها في العطلة الأسبوعية التي خصصتها الدولة لهم، ويناقش ظاهرة هجرة العراقيين إلى مصر خلال فترات مختلفة من العصر العباسي، حيث لعب العراقيون دورا مهما في تشكيل المشهد الثقافي والاجتماعي هناك.
وفي الختام، يضع الكاتب بين أيدينا وصفا دقيقا للأيام الأخيرة للخلافة العباسية، متتبعا الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى سقوط بغداد في يد المغول، مسلطا الضوء على المعطيات التي مهدت لهذه النهاية الحتمية بعد قرون من الحكم.
أخبار متعلقة :