حاتم الأزرعي *
تقطع نياط القلب، المشاهد الدامية لمعلمين يتم الاعتداء عليهم في الصفوف وساحات المدارس وخارج أسوارها، وتبعث على السخط والغضب لما آل إليه حال التربية والتعليم، حيث تحولت مدارسنا لساحات حرب، ضحيتها الأولى والأخيرة التعليم، بعد أن أسقطت التربية من الحسابات!
المعلم انس الزبيدي، لا يزال حتى اللحظة، يرقد على سرير الشفاء، في العناية المركزة، بعد الاعتداء عليه من قبل ولي أمر طالب وثلة من أقاربه، غرسوا سكينا في جسد التربية والتعليم، طالت رئتي المعلم مرورا بظهره ،الذي لم يجد من يحميه!!
الزبيدي، ليس أول ضحايا الاعتداء على المعلمين في مدارسنا، ولن يكون آخر الضحايا، وقبله وبعده مئات من الاطباء والممرضين والصيادلة ورجال الامن وعمال النظافة، ذنبهم جميعا، انهم يأخذون بيد المجتمع، من أجل رفعة الوطن وتقدمه ونهضته.
وما يثير الاهتمام بشكل عام، أن الغالبية العظمى من الاعتداءات، تقع على الكوادر الطبية العاملة في المستشفيات والمراكز الصحية بالدرجة الأولى، تليها في الدرجة الثانية الاعتداءات على المعلمين في المدارس، فلماذا؟؟.
وبداية لا بد من التأكيد على أن هذه الاعتداءات فردية ، وتشكل خروجا على عاداتنا وقيمنا ، ولذلك فهي تواجه بالرفض والاستنكار والشجب والادانة ، وعدم قبول الأسباب التي يسوقها المعتدون لتبرير جريمتهم .
وقبل الإجابة، على السؤال المطروح: لماذا تتركز حالات الاعتداء بشكل رئيس في قطاعي التعليم والصحة؟؟. لا بد من الإشارة السريعة لواقعهما، وهما القطاعان الاكثر اهمية، من حيث أعداد العاملين في ملاكهما، والتماس الواسع المباشر مع المواطنين، ونوعية الخدمة التي يقدمانها، وهي بمثابة قلب المجتمع ورئته.
ويجمع باحثون تربويون ومتابعون للشؤون العامة ،على أن حال التربية والتعليم ليس بمستوى الطموح ، ويؤكدون بما لا يدع مجالا للشك بأن مستوى التعليم قد تراجع في الاردن ، ويشيرون إلى الاختبارات الدولية وتقويم جودة التعليم وغيرها من الدراسات والبحوث والتقارير التي تبين "أن التعليم الأردني تراجع كثيراً، وأنه وصل لمستويات تنذر بكارثة ".
أما على الصعيد الصحي فهناك إجماع على تراجع وزارة الصحة وخدماتها ، تحت وطأة الديون الباهظة التي ترزح تحت نيرها وعجزها عن السداد ، وانعكاس ذلك على ضعف القدرة على التحديث والتطوير وتوفير التكنولوجيا الطبية ، فضلا عن النقص الحاد في الكوادر الطبية ، ونقص الأدوية ، والإعداد الكبيرة من المراجعين ، التي تفوق قدرات الكوادر ، ما ينعكس سلبا على مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين .
وللحقيقة ، لا أود أن اخلص هنا إلى القول بشكل قاطع أن المعلم انس والأطباء والكوادر الصحية المعتدى عليهم سابقا ، هم ضحايا لمؤسسات لم توفر البيئة الفضلى للتربية والتعليم والصحة ، وإنما أود تسليط الضوء على جوانب وزاويا اخرى ليكون المشهد أكثر وضوحا .
وأعتقد جازما ، أنه من العبث الاستمرار في النظر الى مسألة الاعتداء على الموظف العام ، دون إدراك جدلية العلاقة والروابط القائمة بين هذه الاعتداءات وحالة العنف العام السائدة ، وبعيدا عن دراسة أسباب ودوافع حالات الاعتداء أثناء تأدية الموظفين واجباتهم، والظروف والملابسات التي تحيط بها ، لاستخلاص النتائج ، وإيجاد الحلول الجذرية ، حتى لا نبقى أسرى مشاهد دامية تتكرر يوميا ، تحرك الغضب والشجب والاستنكار الآني ، ونعود بعد ذلك لنغط في سبات عميق ، بانتظار اعتداء جديد .
نعم، قد يشكل القانون وتشديد العقوبات، والتشدد في رفض الجاهات والوجاهات والتمسك بالحق العام والخاص بالملاحقة القانونية، عوامل قد تسهم في الحد من الاعتداءات، لكنها ليست بديلا عن الحلول الأعمق والاشمل، التي من شأنها استئصال دوافع الاعتداء من جذورها، وفي مقدمتها تحسين البيئة التعليمية والصحية من جميع جوانبها المادية والمعنوية.
أخبار متعلقة :