نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رحلة نفسيّة في السفر الجوّي - أطلس سبورت, اليوم الخميس 23 يناير 2025 11:09 مساءً
إذا كنت قد مررت بهذا الإحساس، فأنت لست وحدك لأن هذه التجربة البسيطة تعكس أحد أعمق الجوانب النفسية للسفر جواً، حيث تُسبب الفروقات الظاهرة بين درجات السفر تأثيراً مباشراً على مشاعر الركاب، وغالباً ما تثير لديهم شعوراً بالاستياء.
في كتابه «السلم المكسور»، يناقش «كيث باين» تأثير الفجوات الطبقية على الصحة النفسية والشعور بالرضا، مشيراً إلى أن التفاوت في الخدمات والرفاهية يعزّز الإحساس بعدم المساواة ويتسبّب بمشكلات داخل الطائرات.
يقول «باين»: (تعتبر الطائرة صورة مصغّرة من عالمنا وما نواجه فيه من مخاوف، نلتقي فيها بمئات الغرباء مرغمين جميعاً على مستوى من الودّ الذي ندّخره عادةً للأحباب، نتكدس في أنبوب معدني يستفزّ فينا خوف الأماكن الضيّقة وبمجرد ما تحلّق الطائرة لا يعود هناك أي مهرب ونجد أنفسنا معلّقين في الهواء الأمر الذي يثير مشاعر الخوف من المرتفعات، يهتزّ هيكل الطائرة بما يكفي لتذكيرنا أننا قد تقطّعت بنا السُبُل ولا أحد منّا يقرر أي شيء، لا نعرف من يرافقنا في الرحلة وغير متأكدين من كيفية سيرها ولا حتى من يملك أحقية مسند الذراع الجانبي للمقعد، وطيلة الوقت هناك ما يذكّرنا بشكل خفي بفكرة الموت)..
إضافة لكلّ هذه المشاعر هناك أمر يجدر ذكره وهو أن الطائرات تعتبر التجسيد المادي الملموس لسلّم الهرمية، فقد قام عالما النفس ديسيل ونورتون بدراسات أثبتت أن توزيع الهرمية الاجتماعية في السفر الجوّي يعتبر قوّة تجبر الكثيرين على التصرّف بشكل معيّن أثناء الرحلة، وقام الباحثان بتحليل بيانات ملايين الرحلات لتحديد العوامل التي تقف وراء حالات الغضب العارم أو محاولات فتح مخرج الطوارئ وكان أول هذه العوامل أنهم يقومون بمقارنة أنفسهم بالمسافرين الآخرين على الدرجة الأولى، ووجد الباحثان أن حالات الغضب والشجار في الطائرات التي لديها مقصورة درجة أولى تزيد بمعدّل 4 أضعاف على تلك التي لديها درجة سفر اقتصادية فقط).
إن التباين الواضح يجعل الأشخاص أكثر استحضاراً لمكانتهم اللحظيّة وقد وجدت بعض الدراسات أن المسافرين الذين يجلسون في الدرجة الاقتصادية بالقرب من مقصورات الدرجة الأولى كانوا أكثر عرضة للتوتر والانزعاج بنسبة تصل إلى 34% مقارنة بأولئك الذين يجلسون بعيداً عن هذه الفجوة البصرية.
هذه النتائج تتماشى مع نظرية «الحرمان النسبي»، التي تشير إلى أن الفرد لا يشعر بالرضا بناءً على حالته بل من خلال مقارنة نفسه بالآخرين، وفي بيئة الطائرة يتضخم هذا التأثير بسبب القرب الجسدي بين الفئات المختلفة، ما يجعل الفجوة واضحة بشكل لا يمكن تجاهله.
التفاوت لا يقتصر على داخل الطائرة، بل يمتد إلى تجربة السفر كاملة بدءاً من المطارات، حيث تُعدّ صالات الدرجة الأولى أحد أبرز مظاهر التباين في التجربة قبل دخول الطائرة، وقد أدركت شركات الطيران أهمية هذا الجانب لتلبية احتياجات الركاب، ليس من ناحية الراحة المادية فقط، ولكن أيضاً من حيث الرفاهية النفسية، لذلك أصبحت توفر أنظمة ترفيه متقدمة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 78% من الركاب يعتبرون وسائل الترفيه داخل الطائرة عنصراً أساسياً لتخفيف التوتر، كذلك عملت بعض شركات الطيران على تحسين تصميم الطائرات لتقليل الاحتكاك المباشر بين درجات السفر، فاعتمدت مداخل منفصلة لكل فئة، إلى جانب تطوير خدمات الضيافة بصورة تشعر الركاب بالاهتمام، مع تحسينات مستمرة تواجه تحديّات التكلفة.
لم يعد الطيران الحديث مجرد وسيلة نقل، بل أصبح ساحة لتجربة إنسانية متكاملة تعكس الجوانب النفسية والاجتماعية للعصر الحالي الذي لا نعرف إلى أين يطير بنا.
أخبار متعلقة :