نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ما أحسنّي ضيف وما أخسّني مضيّف - أطلس سبورت, اليوم الخميس 23 يناير 2025 11:09 مساءً
فتح المولود عينيه على الحياة، في موسم برد يجمّد فيه الماء فوق برطم الشارب، وعندما تلقفته جدته العامريّة ما أعجبتها خلقته، وتذاومت به، وطالما ناكفت أمه، قائلة (ليتهم رقدوا، منين التقطت هذا الفرخ المعفّش، عسى بقعا تلقطك وتحدحد بك غار ما له قرار)؟ وهي لأدبها، لا ترد عليها، وتكتفي بقربعة الحلل والصحون والطيّس، وتضمر في نفسها أنها عجوز بلغت سنّ التخريف، ولذا لا تُلقي بالاً لما قالته وتقوله، لأنها واثقة من نفسها، وعائلة زوجها كلهم فروخ مخنفرين.
في يوم ختانه وعمره سبع سنوات، حزّمته الجدّة بالجنبيّة، وحطت فوق رأسه عقال جدّه المقصّب، وغرّزته بالريحان والسذاب، وحفشت ثوبه من وسطه عشان لا يتحوس بالدم، وما غير شاف شفرة المطهّر، تناوش الريع وخلاهم، والجدة تصيح أعقب لا تفشلنا، ما يعوّر يا الذّلال يا الرخمة، تشرد من قطع جلدة كما الظفر الزايد؛ والله لانشر لك السوداء، فالتفت نحوها، وقال خليه يقطع صغيرة من ظفرك الزايد، وانشر لك البيضاء في سوق الخميس؛ فتضاحك الحضور وتركوه.
مع صلاة العشاء، تحايلت الجدة عليه، وطبخت له (دنقه) ويوم استوى راقداً، لزمته هي وأمه والمطهّر عند الباب بشفرته، وما أصبح إلا يعلوي ويحتلج فوق الجناح ويغني (أنا الصبيّ المطهّر، طهارتي شبر في شبر، والبنت بكرة بتكبر، وتردف شداد المعنتر).
ورث المعفّش عن أسلافه، مرزقاً يكفيه ويكفي ذرا ذراه، لكن ايده مخروقة، ونفسه هملة، تولفوا حوله عيال الثلوث والربوع، وأغروه بالملذات، فانفتحت شهيّته على المُتع، وسالت ريقته وهو من أوّل طِرع، فاشترى رادي، وشنطة بِكم، وأسطوانات للطرب، وقطمة سكّر، وصندوق شاهي، وكل ليلة شداوي وغناوي، يذبح للرفاقة من حلال الفاني الذي ضاق به من كثره المراح، ويكيّف ويضيّف، والنفاخين يدبّجون المديح والإطراء، ومن تكاثر مرزقه يبذّره.
قلّ ما في اليدّ، وأخذ له قلب؛ من رفاقته المنتفعين (النفّاش، والمنفّش) واستوعب درساً لا ينساه؛ إذ كانوا كلما طمت الشمس، أقبلوا عليه؛ يركبون فيه وعليه قصايد، وينقلون له إعجاب بنات القرية به، وهم متفقين عليه (له منا كلام، ولنا منه الطعام)؛ وخذوا به، لين تساوى فوق حلس حمارة جدته، وجاء الرفاقة ليلة عاشوراء، وتفقدوا الملّة، لاونها صامطة، ونشدوه وشبك؛ فقال (قيق قيق يا الرفيق، لا سمن ولا دقيق، ولا تمر من العقيق) تغيّرت ملامحهم وقالا بصوت واحد؛ تراك من أيدينا في أيديهم، والله ما تسوى ملء آذانيك فريقة يا معفّش؛ وافلحوا وخلوه؛ ففتح البداية؛ وقام يردد؛ الله ما أحسني ضيف وما أخسّني مضيّف.
قضى ليالي عدة، وهو يسمع كل ليلة في منامه، من يقول؛ رزقك في حوش فطاني في مكة، وبعدما تكرر المنام عليه؛ صبّح على فقيه يخاف الله، وسرد عليه حلمه، فقال له؛ يا ولدي هذا هاتف، ونصيحتي تختار الله؛ والحركة بركة، ويمكن ربك هو الذي بعث لك الرؤيا؛ فاحتزم واطلب الله؛ وإن لقيت خيراً لا تنساني.
ركب مع الجمّالة إلى محطة بيدة، ومن هناك اكترى على برندة الشاحنة بريالين إلى العاصمة المقدسة، ومن أوّل يوم، مرّ من قدام دكّان خياط قاعد يأكل حبحب، فحذف الخياط بقشرة الحبحبة، وجت في المعفّش، وحوّست وجهه وثوبه، فنظر نحو الديرة، وقال؛ جاني الخير يا فقيه من أوّلها.
أشفق عليه بيّاع خواتم وسبح، فاشترى له ثوباً وعمامة، وقال؛ تجي الصبح تنظف المحلّ، وتروح تشتري علف للماعز؛ وتحلبها، وتودي الحليب لعمتك؛ وترجع لي زي البرق، وفي أحد الصباحات؛ وهم على صحن فول وقرصان، وبراد أبو أربعة، سأل عمه؛ ايش اسمك يا عمّ ؟ فقال؛ حسني فطاني! قال؛ وصلت؛ ثم سأله؛ معك حوش غير حوش المعزا؟ فأجابه؛ عندنا وعندكم خير، فسأله عمه؛ ليش تسأل؟ فخبّره أنه قضى كم ليلة وهو يسمع في المنام صوتاً؛ يقول رزقك في حوش فطاني في مكة؛ فضحك عمه حسني؛ وقال؛ يا واد سيبك من أضغاث الأحلام، أنا ليّه شهر يجي واحد يصحيني من النوم؛ ويقول؛ رزقك في الباحة تحت عتبة بيت المعفّش.
أخبار متعلقة :