السفراء وتعزيز علاقات الشعوب - أطلس سبورت

مديا 0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السفراء وتعزيز علاقات الشعوب - أطلس سبورت, اليوم الخميس 30 يناير 2025 11:15 مساءً

في كل بلد من بلدان العالم، يظل البشر هم البشر، لهم فضول يدفعهم للتعرّف على غيرهم من الناس، واشتياق فطري يحفّز رغبة التواصل مع كافة الأجناس والجهات، وبعضهم إن لم يكن غالبيتهم إنسانيون، وهذا ما تبرزه وسائل التواصل من خلال محتوى شخصيات تعشق السفر والترحال، وتلتقي بعينات عشوائية في الشرق والغرب.

ولا خلاف على أن غالبية الشعوب، تحتفظ بفطرتها النقيّة الأولى، إلى أن تقتحمها خطابات موجهة، فيطالها التشوّه، وتربك مشاعرها موجات إعلامية أولية وارتدادية، فيقع بعضها في الأدلجة أو التسييس أو التسليع، وتتأثر حباً وكراهيةً ونفوراً، بحسب ما غذاها الإعلام به من مشاعر سامة أو سلبية، أو إنسانية.

وأتوقع وأتمنى أن يكون من مهام السفراء عموماً توظيف واستثمار النخب المجتمعية، والقوى الناعمة، في تعزيز العلاقات بين الشعوب، بخلق مساحات تواصل يلتقي فيها شعب بشعب، ونخب بنُخب، وتتفاعل قوى ناعمة مع مثيلاتها، فالشعوب باقية، والحكومات متغيرة، والسياسات تتبدل، ومحبة وتقدير الشعوب رصيد لا ينفد.

وربما ينخرط سفير ما في واجباته الدبلوماسية، التي تستغرق كل وقته، وربما ينحصر مجال عمله في محيط رئيس الدولة والحكومة ووزارة الخارجية، ما يستنزف معظم الطاقة والجهد في مساعٍ نابعة من تغيير المصالح، وربما تُثمر تلك المساعي؛ وربما لا تثمر، أو تكون الثمار نسبية، والتفكير في الأبقى أنفع وأدوم.

ولا شك أن العمل على تواصل الشعوب، وتقوية الأواصر الانسانية، بصرف النظر عن المعتقد والمذهب والملّة؛ مكمّل للدور الدبلوماسي؛ والشعوب تتآلف بالتعارف الثقافي، والمثاقفة الفكرية والأدبية والفنية، والتعاون الاجتماعي والسياحي، والاقتصادي.

منذ فجر التاريخ، والسفراء حاملو رسالة خير؛ وناقلو مثلها؛ يحملون أنبل وأصدق وأعرق ما في دولتهم وشعبهم، وينقلون حقيقة الناس الذين يعيشون بينهم لقيادتهم وشعبهم، وهم، وفرق عملهم نموذج مصغّر لوطنهم الفاعل والمتفاعل مع كل حقول الإبداع والتميّز في فضاء موازٍ لفضائهم الأصلي.

ويمكن للسفير، فتح قنوات التواصل والاتصال بين رجال الأعمال في بلده والبلد المضيف؛ وتبني فعاليات ثقافية وفكرية ولقاءات شبابية، واقتراح زيارات متبادلة؛ وتوجيه الدعوات لحضور مناسبات، وكل هذا يغذي الانطباع الإيجابي، ويقوّي ويمتّن المودات.

ولقائل أن يقول لا يمكن لسفير، تثقل كاهله أعباء، أن يقوم بكل ما نتطلع إليه، وهذا معقول، إلا أن لدى السفير كوادر ثقافية وفنية وإعلامية واقتصادية مؤثرة ومؤهلة لأداء فوق ما هو مطلوب منها بروح طيّبة، ووطنية راقية.

لا يمثل السفير نفسه، ولا يعمل بهوى ذاته؛ ولا وفق مزاجه، ومن المؤكد أن له مساحة يتحرك فيها بحسب إمكانياته، وما تؤطره به دبلوماسيته، إلا أننا نعرف سفراء وطدوا علاقات الصداقة والاحترام بين بلدانهم والبلدان التي عملوا بها، بفضل حسّ الانتماء المثالي، وحضورهم الطاغي؛ دون جرح لهيبة الدبلوماسية.

لن أطالب أي سفير بترقب أي مواطن قادم للبلاد التي هو سفيرهم فيها لخدمته، ودعوته لزيارة السفارة، ولا الاحتفاء به، فالسفراء لديهم ما يشغلهم، وربما ليس لديهم وقت لأسرهم وعائلاتهم، إلا أن العطاء ينتج العطاء، والتفاني في السخاء؛ يلغي هاجس المتاعب والعناء، وقديماً قال المتنبي (والجودُ بالنفس أقصى غاية الجود).

قرأنا سِيَر سفراء عرب وغربيين، تفوح صفحاتها برائحة العبقرية واللباقة، كون للسفير دور حضاري يتمثل في تعريف شعب الدولة المضيفة، على تراث وعادات وتقاليد أهله وناسه، وإيقاظ روح المحبة والإخاء؛ وترك بصمة ناصعة، في نفس كل من عرفه وتعامل معه.

ربما يتصور البعض أن مهام السفير، ينبغي أن تقتصر على توطيد علاقات حكومات بلاده مع الحكومات أو الزعامات، دون حاجة لقراءة ثقافة الشعوب التي يعيشون بينها، ولا نقل ثقافة شعبه، وهذا تصور غير موضوعي، فالسفارة أرحب من شغل روتيني، يُتوهم بأنه محاط بسياج لا يجوز تخطيه.

في كل بلدان العالم، هناك طلاب مبتعثون، وبعثات دبلوماسية؛ يمكن أن تخلق فضاءً تفاعلياً وتواصلاً حضارياً، وترسيخ قيم التسامح، والتعايش والتقدير، وإبراز الوجه الحقيقي للإنسان الذي يمثله من خلال تكليف دولته له بالعمل سفيراً لها.

كل ما تقدم، لا يعني أن ما نتطلع إليه ليس موجوداً، ولكن ربما لا يحب البعض الأضواء؛ أو يؤثر العمل في صمت، ولكل سفير على كوكب الأرض وافر التقدير والاحترام.

تلويحة:

للساسة أكثر من وجه، وللشعوب وجه واحد.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق