كتب باسل العكور - لقد حانت ساعة الحقيقة ،وتبينت صوابية الاعتقاد بارتباط مصير الشعبين الاردني والفلسطيني وبؤس مقاربة الخلاص الذاتي وتغليب مصلحة على اخرى ، فلطالما كانت خيارات الشعب الفلسطيني هي ذاتها خياراتنا ،والعدوان عليهم كان يجب ان يفهم من البداية انه عدوان مباشر علينا ..
الادارة الامريكية - حليف الامس - اظهرت نواياها وكشرت عن انيابها ، فها هو الرئيس ترامب يقولها بمنتهى الصفاقة والعنجهية والغطرسة ان المطلوب من الاردن ان يستضيف الغزيين ، بذريعة ان غزة لم تعد مكانا قابلا للحياة ، وكأن الغزيين قد استسروا له وطلبوا منه ان يبحث لهم عن بديل مؤقت او دائم لارض فلسطين التي عمدت بالدم والنار والتضحيات الجسام ..
ترامب قفز تماما عن نتائج العدوان الذي اوقفه بنفسه ،بعد فشل العدو الصهيوني عسكريا في تحقيق اي هدف من اهدافه المعلنة وغير المعلنة ، يبدو ان ترامب اوقف الحرب بعد ان التزم لقادة الاحتلال انه ضامن لتحقيق اهدافها - التهجير والاستيطان - دون اراقة المزيد من "الدماء اليهودية المقدسة "، وهذا ما بدا واضحا بعد قراره تجميد مخصصات الاردن السنوية وقطع المساعدات و عدم تثبيت السفيرة الامريكية قبل اشهر من انتهاء مدتها في عمان ، واخيرا اتصاله الهاتفي مع الملك عبدالله الثاني صباح اليوم والذي طلب فيه دون مواربة استقبال مليون غزي في الاردن ومصر بشكل مؤقت او دائم ، وكأن لسان حال ترامب يقول : ان ما لم تتمكن امريكا بادارتها السابقة واسرائيل والغرب من فرضه بالقوة في عام ونصف من العدوان الوحشي على الاشقاء في غزة ، سانجح في انجازه باتصال هاتفي وابتزاز مالي رخيص..
المراهنون على الحليف الامريكي عليهم ان يستفيقوا من هذا الوهم قبل فوات الاوان ، الولايات المتحدة التي شاركت بالعدوان على الاشقاء الفلسطينيين و تلطخت ايدي ساستها بدماء الابرياء من الاطفال والنساء في غزة والضفة الفلسطينية بعد ان ضربت بعرض الحائط كل الاعراف والاخلاق والمواثيق الانسانية والدولية ، لن تفكر ابدا بمصلحة شعوب المنطقة وامنها واستقرارها .
بعض المسؤولين والساسة واشباه المثقفين العرب يتعاملون مع الارادة الامريكية على انها قدر لا راد له ، وان عليهم ان يتوافقوا فورا مع هذه الارادة ولو كان ذلك على حساب اوطانهم وارضهم وحرية وكرامة شعوبهم ..هؤلاء هم الخطر المحدق الذي علينا ان نواجهه اليوم ، قبل ان نشرع في التصدي للمتربصين بنا ، الذين نعرف انهم يخططون منذ عقود لاختراقنا واضعافنا وتمزيقنا واخصائنا والغاء هويتنا الثقافية والحضارية وصولا لاحتلالنا فكريا وماديا ومعنويا ...
تخرصات ترامب واحلام يقظته لا تعني شيئا ، اذا ما تعاملنا مع المعطيات على الارض ونتائج المواجهات في الاقليم ، لا تعني شيئا اذا ما تصدى لها ساستنا بصلابة لا يتخللها وهن ولا تزعزعها صورة انطباعية حاول الاعلام الغربي ان يكرسها للكابوي الامريكي "السوبر مان" الذي لا يمكن قهره ، والحقيقة والتجربة التاريخية والمواجهات الاخيرة تؤكد عكس ذلك تماما ، على ساستنا ان يقرأوا التاريخ جيدا، عليهم ان يؤمنوا ان الهزيمة لا تقع الا عندما تنهزم دواخلنا ونعترف بتفوق العدو ، عليهم ان يدركوا حقيقة واحدة فقط وهي ان ارادة امتنا هي التي لا تقهر او تتقهقر ، وان فارق الامكانات التسليحية لا يحسم اي مواجهة ، ونموذج غزة ما زال شاخصا ودالا وملهما لشعوب الارض وليس للشعوب العربية فقط.
المطلوب رسميا ليس مزيدا من الانشاء الفارغ والبيانات النارية التي لا يرافقها قرارات تعبر عن خطوطنا الحمراء ، امريكا تضحي بدولتنا ومصالحها وبقائها ، وتستهدف تصفية القضية الفلسطينية ، وهذا امر يتطلب مراجعات جذرية سياسية وامنية واقتصادية واستدارات من شأنها ان تمتن جبهتنا الداخلية، لن نقبل بعد اليوم بوجود قواعد امريكية على ارضنا ، لن نقبل باستمرار وضع كل بيضاتنا في السلة الامريكية ،عليهم ان يفهموا ان الاردن الرسمي جاد في رفض هذا المشروع التصفوي للقضية الفلسطينية ، ولا يكون ذلك الا من خلال استخدام كل اوراقنا وامكاناتنا واذا استدعى الامر مراجعة كل تحالفاتنا..
الاردن ليس مهيض الجناح ، ومن لا يستطيع ان يتحرر من الحضن الأمريكي الدافئ في مراكز القرار في بلادنا ، ان يغادر فورا ، فلا يؤتين الاردن من قبلكم ..
0 تعليق